(دراسة في مجال علم النفس - الاجتماعي) - الجزء الثاني
د. نزار ابو جودة (استاذ في الجامعة اللبنانية)
تحت تأثير هذا الوباء غير المرئي تشهد المجتمعات بالاضافة الى ما ذكرناه موجات من ردات الفعل العشوائية على المستوى النفسي والاجتماعي والتي تنقسم الى عدة أصناف، منها الحالات النفسية والسلوكيات المفيدة ومنها الحالات والسلوكيات المضرّة. ومن أكثر المواقف ضررا الشعور بالقلق الذي يفقد الانسان السيطرة عليه، فيتحول الى الخوف ومن ثم الهلع وهي حالة تغذي نفسها بنفسها وتتضاعف بسبب العدوى الاجتماعية (الافراد يتأثر بعضهم بالبعض الاخر) وتدفع الفرد نحو سلوكيات متناقضة غير منطقية ومضرّة في كثير من الاحيان تؤدي الى الانهيار الذي كان يخشاه الفرد في البداية مع القلق.
انطلاقا مما سبق نطرح السؤال التالي: ما هي أبرز ردات الفعل أو الاستجابات على المستوى النفسي-الاجتماعي في مقابل الوباء الحالي؟ وكيف نحافظ على صحتنا النفسية والعقلية في حين نعتمد التدابير الوقائية؟
يوجد 3 أنواع من ردات الفعل لدى المواطنين:
1- هناك من يبالغ في ردة فعله فتطغى عليه السوداوية ويتصرف بشكل وسواسي٬ هؤلاء هم أشخاص خائفون، لا بل مرعوبون يؤثرون بشكل سلبي وينشرون الخوف والذعر من حولهم. هذا النوع من الاستجابات السلبية قد يتحول الى خوف جماعي.
القلق والخوف الجماعي خاصة في ظلّ عدم وجود فهم واضح وشامل للمرض هما من أبرز الاستجابات التي نشهدها خلال فترة انتشار الوباء كورونا. الخوف الجماعي يشكّل ردّة فعل منطقية على انعدام اليقين لا بل المجهول بشكل عام خاصة في الحالة التي نعيشها اليوم حيث إنّ الفيروس هو أشبه بعدو غير مرئي قاتل مجهول لا تدركه الحواس (غير منظور وغير محسوس) يضرب في كل مكان ويحصد الارواح.. لا ندري لماذا؟ لا نعرف ماذا يخبئ لنا؟ ومتى سيتوقف؟ متى وكيف سينتهي؟ كيف سيؤثر علينا وعلى أحبائنا، على عملنا ومستقبلنا، هذا اذا نجونا، وكيف سيؤثرعلى قدرتنا على تأمين حاجاتنا الاساسية؟..أسئلة عديدة ومتنوعة أساسها انعدام اليقين وردات الفعل الطبيعية عليها هي الارتباك والقلق والخوف.
يحتاج الانسان في تعاطيه مع أيّ موضوع كان ومهما بلغ هذا الموضوع من البساطة او التعقيد الى درجة عالية أو مقبولة (وذلك بحسب خصائص شخصيته وظروفه) من عامل اليقين أو "اليقينية" تجاهه. وانعدام اليقين أي عدم وجود معرفة كافية أو فكرة واضحة عن الامر المعني أي الموضوع الذي تتمّ مقاربته (كالاجابة على أسئلة مثل: ماذا يحصل ولماذا كيف ومتى والى أين؟..) سيثير في الانسان ردة فعل أساسية أو استجابة ميكانيكية فورية وهي القلق والخوف والشعور بالخطر...فما بالكم إذا كان الامر مرتبطا بشكل مباشر بخطر الموت. وأيّ موت؟ ليس من أجل قضية عظيمة ولا من أجل أي شيء آخر إنما عن طريق الصدفة مثلا. هي عطسة ممكن ان تودي بحياتنا!
انعدام اليقين هذا والخوف من المجهول سيؤديان شئنا أم أبينا الى تصاعد مشاعر القلق والخوف وربما وصولا الى الرعب والهلع في النفوس إذا لم نجد تداركهما. وعلى إثر ذلك ستسقط العقلانية الحاكمة للتفاعلات الروتينية اليومية. وكلّما زادت فترة الازمة خفّت العقلانية وأخذت اللاعقلانية بزمام الامور.
ومن العوامل التي تعزّز القلق والمخاوف أيضا هناك عامل الثقة: ثقة الشعب بدولته وحكومته ومؤسساتها..فكلّما كانت الثقة عالية كانت القدرة على الاحتواء أكبر والقدرة على تقليل حدة القلق والخوف العام قبل تحوّلها الى هلع عام وسلوكيات مضرّة غير منطقية. ويرتبط بعامل الثقة المذكور سابقا تصاعد الشعور بالشك. كلّما ضعفت الثقة زاد الشعور بالشك. وما نقصده بالشك هنا هو عدم الوثوق بنوايا وبقدرة وارادة الدولة والحكومة على الفعل والعمل. وما يغذي الشك ظهور الشائعات فتكثر الانتقادات غير البنّاءة لدرجة يمكن ان نصل فيها الى ما وصفه هوبز بحرب الكل ضد الكل..الشك قد ينتقل من شك في قدرات ونوايا الحكومة الى شك في كلّ ما يدور حولنا حتى بالاشخاص المقرّبين فنتحول الى الانتقاد اللازع تجاههم فنبثّ الخوف والحقد في قلوبهم.
بناء على هذا الفهم ندرك أهمية ما كان يحذّر منه وزير الصحة وخشيته الكبيرة من الوقوع في حالة الهلع التي ستؤدي بالنهاية الى نتائج وخيمة على مستوى السلوك الجماعي.
2- الفئة الثانية عكس الاولى تتشكل ممن يبالغ في اللامبالاة وتبسيط الامور وصولا الى درجة إنكار ما يحصل على ارض الواقع. وبعض من في هذه الفئة ولأسباب شخصية نفسية يعتمد في سلوكه على "المرجلة". هو "عنتر" "لا يخاف" و"لا يهاب" الفيروس "يتمرجل" ويجازف ولكنه بذلك يشكّل خطرا على نفسه وعلى الاخرين من حوله. هذا لا يعني أنّ "عنتر" هذا غير خائف فعلا بالعكس هو مرعوب ولكنه لا يعرف كيف يتعامل مع خوفه فينكر وجوده ويغمض عينيه ويترك لميكانيزم دفاعي غير واعٍ أن يديره "فيسير على حافة الهاوية" وبدل أن يتحاشى الخطر يهرب نحوه!
3- الفئة الثالثة: من هم بين الفئة الاولى والثانية لا ينكرون الواقع المعاش ولكن يحافظون على هدوئهم ويسيطرون على خوفهم ويتبعون التعليمات الوقائية كما يجب.
من ردات الفعل التي نشهدها أيضا على الوباء: التأمل الذاتي وإعادة النظر في كلّ شيء.
الاوبئة تثير لدى الانسان العديد من الاسئلة الوجودية والما ورائية التي لا إجابات واضحة لها: لماذا يحصل ما يحصل؟ أين الله من كل ما يحصل؟ من الملام فيما يحدث؟ وهذه الاسئلة الفلسفية والميتافيزيقية والوضعية قد تحدث موجة أو ثورة في التفسيرات المرتبطة بأسباب هذه المعاناة الجماعية.
وقد تغيّر الاوبئة في اتجاهات الناس الدينية والقيمية فتتسبب بموجة من التحوّلات الانتمائية الفردية وبعض الاحيان الجماعية، فتظهر تناقضات لدى الافراد بين الرغبة في الاحتماء بالمقدسات والدين وبين شكوكهم في قدرتها على نجاة الفرد.
وبحسب سيكولوجيا الاوبئة تتأثر منظومة المعتقدات والقيم وأنماط التدين لدى بعض الفئات خلال فترات انتشار الامراض والاوبئة.
1- البعض يظل متمسكا بمنظومة المعتقدات والقيم والطقوس الدينية التي من شأنها التخفيف من معاناته وذلك بحسب ايمانه. وفي كثير من الاحيان كما هي الحال اليوم في لبنان تحفّز الازمات الكبرى والاوبئة تصاعد التديّن وزيادة في ممارسة الطقوس والشعائر الدينية.
2- غير أنّه مع طول المدة وارتفاع مستوى الخطورة وتفشي الوباء وزيادة الضغط النفسي يرتبك الفرد ويزيد شكّه في معتقداته وقيمه وبالتالي ممارساته الدينية وقد يذهب الى اعادة النظر في دور الدين والى ممارسات ذات صلة بعقائد أخرى لعلّه يكون خاطئا فيما يعتقد ويمارس.
3- والبعض الآخر قد يذهب الى اعتماد سلوكيات غير عقلانية. يدفع الخوف والقلق والارتياب والشعور بالضغط الفرد والجماعات نحو سلوكيات متناقضة غير منطقية. وكلّما كان الوباء خطيرا ومميتا وكلّما زادت المدة الزمنية بدون أي علاج واضح كانت المساحة خصبة ومتروكة للاجتهادات الفردية والاجتماعية وكانت نسبة التمسك بأي أمل في الخلاص أكبر حتى وان كان ذلك يتمثل في ممارسات غير منطقية في بعض الاحيان (جرّبنا الطب والعلم ولم يأتيا بنتيجة فكما يقال "نتعلق بحبال الهوا").
لقد غيّر وغيّب كورونا الكثير من التقاليد مثل مراسم الدفن والتعازي واللقاءات الاجتماعية في المناسبات الدينية وغيرها. كما غيّر أيضا الكثير من العادات خاصة فيما يتعلّق منها بالروتين اليومي الاعتيادي. الروتين اليومي المعتاد لدى الانسان يتضمن أنماطا معهودة من السلوكيات والحلول المسلّم بها الجاهزة والتي تمّ اختبارها من قبل في مواقف عديدة. وللروتين اليومي وظيفة أساسية هي جعل الحياة الاجتماعية العملية أسهل والمساعدة على التكيّف والاستمرار فيها. وعندما يتلاشى أو يغيب هذا الروتين تحت أثر الوباء يصبح الانسان أكثر عصبية وتوترا ويعيش حالة من الارتباك والخوف على المصير تدفعه على تحدي الروتين السابق وتغييره مجبرا.. والا الهلاك.
ومن ردات الفعل أيضا لدى الشعوب بحسب سيكولوجيا الاوبئة اللجوء الى التراث الشعبي. المجتمعات تبحث عن أي شيء من الممكن أن يساعدها في التكيّف مع الازمة وتعدّيها. في أوقات انتشار الاوبئة لا يعلم الافراد كيفية التعامل مع الوباء وتبعاته من خوف وقلق وارتباك وسوداوية مما يدفعهم الى اللجوء الى معطيات التراث الشعبي (الفولكلور) وخبرات الاجيال السالفة من معتقدات ووصفات وحكم وامثال وروايات. كلها من شأنها أن تبعث في النفوس الشعور بالسلام والطمأنينة والامل وتساهم في إعطاء بعض التوازن الداخلي للافراد.
ويصاحب الاوبئة أيضا وبسبب قلة المعلومات التي يملكها الافراد عن الوباء موجة من الشائعات التي يطلقها البعض وينجرف خلفها الملايين. الجميع في حالة عطش تجاه أية معلومة سلبية كانت أم إيجابية. وقد يتجه الانسان الى التفتيش عن كلّ ما هو سلبي من معلومات وأخبار قبل الايجابي وذلك في سبيل تغذية خوفه بشكل غير واع. الكلّ بحاجة لمعرفة ماذا يحصل ولماذا؟ فتأتي الاشاعة لتشبع هذا العطش. الكل مستعد لتلقّي أية شائعة أو خبر لتفسير ما يحدث حوله. وهو الامر الذي يساعد في تشكيل بيئة خصبة لظهور الشائعات وانتشارها كالنار في الهشيم. والذي زاد الطين بلّة في زمننا الحالي هو وسائط التواصل الاجتماعي التي تشكّل كما معظم الامور في الحياة الاجتماعية سيفا ذا حدين: من ناحية بإمكانها أن تنشر الوعي وأن تخفف من حدة التباعد الاجتماعي ومن ناحية أخرى هي حقل خصب لنشر الشائعات والخوف. وسائل التواصل سمحت بأن تترافق جائحة الكورونا مع جائحة معلومات زائفة ومضللة.
ومن الاستجابات الجماعية على وباء الكورونا والتي نشهدها اليوم في كافة الدول: التهافت على شراء السلع. وهذا الامر يمكن تفسيره من خلال نظرية "النبوءة التي تحقق نفسها". إنّ الاعتقاد بانقطاع المواد الغذائية والخوف من ذلك سيدفعنا الى التبضّع بكثرة وبطريقة هستيرية والتموين والتخزين ما سيولّد بدوره انقطاع حقيقي للمواد الغذائية. بهذه الطريقة نحوّل أمرا غير موجود فعليا إلى أمر واقع وفعلي من خلال سلوكنا.
ومن أهم أسباب التهافت على الشراء:
- الخوف من المجهول في أوقات الازمات
- الشراء بدافع الخوف ودور الاعلام هنا الذي بإمكانه أن يعزز هذا الخوف عندما ينقل صور صفوف المشترين وصور الرفوف الخالية من البضائع. الشراء بدافع الخوف هو ميكانيزم نفسي دفاعي في سبيل التعامل مع الخوف وتخفيض نسبته وهو وسيلة لاكتساب الشعور بشيء من السيطرة على الموقف: نشعر باننا نمسك بزمام الامور.
- الخوف من اختلال ما، في الانتاج العالمي، وفي مجالات الصناعة والتوريد والاستيراد.
- عقلية وغريزة القطيع والسلوك الجمعي كلها تلعب دورا كبيرا في دفع الناس للتبضع عندما يرون غيرهم يتهافتون نحو الشراء والتخزين. ولا يلبث أن يتحوّل هذا السلوك الجمعي الى هستيريا جماعية من الصعب ضبطها.
- المنافسة والخوف من تضييع الفرص (ندرة بعض السلع والمنافسة والخوف من المستقبل وما يخبّئه: "بوكرا بينقطعوا")
- عدم وجود الثقة في قدرة الحكومة على التعامل مع الازمة المستجدة.
وكما ذكرنا سابقا هناك أمور إيجابية لا بد من التوقف عندها ومن أبرزها الاستجابات الايجابية في زمن الاوبئة مثل تصاعد الشعور القومي الجمعي والتضامن بين أعضاء المجتمع الواحد الذي يواجه خطرا واحدا ولديه مصلحة واحدة جامعة. في زمن الاوبئة يزداد الوعي الاجتماعي ويصبح واضحا أمام الكثيرين أنّ مصير كل فرد مرتبط ارتباطا وثيقا بمصير المجتمع ككل.
- مبادئ أساسية في عملية ادارة الضغط النفسي والقلق والخوف في سبيل الحفاظ على الصحة العقلية والنفسية:
المبدأ الاول: المعرفة قوة. علينا أن نعرف الواقع تمام المعرفة وأن نقرأه كما هو ونفهمه. يتطلّب منا هذا المبدأ التركيز على فهم الامر الواقع المستجد وأن نقبل به ونتعامل معه على أساس واضح. ما الذي حصل ويحصل؟ لماذا؟ وكيفية التعامل معه بالطريقة الافضل. هي أمور أساسية علينا فهمها بالحد الامكن والتعاطي معها بشكل عقلاني علمي منطقي عملي. هنا المبدأ يقوم على التفكير العملي. أمور كثيرة تغيرت غصبا عنا. أشياء كثيرة لم تعد تحت السيطرة. التغيير سريع ودراماتيكي. ما علينا أن نحرص عليه هو أن نفهم ونتفهم مخاوفنا والتعامل معها بشكل ذكي: نحن نسيطر عليها ولا تسيطر علينا وذلك من أجل اتخاذ قرارات وخطوات عقلانية منطقية مفيدة في مواجهة الكورونا.
المبدأ الثاني: أن يبدأ الانسان بنفسه. الكأس ينضح بما فيه. إعرف نفسك بنفسك واعتني بها. عليك أن تعتني بنفسك. عندما يكون كل من حولك قلقا متوترا وخائفا أو مرعوبا أفضل طريقة لتبقى معافا هي ان تعتني بنفسك وتنتبه على صحتك النفسية والجسدية:عليك أن تنام جيدا، أن تأكل جيدا وتحافظ على نظام غذائي سليم. الموسيقى والرياضة والتمارين على أنواعها بصورة منتظمة ستساعدك على المحافظة على الهدوء والتركيز كما وتعطيك الشعور بالسيطرة على جسدك وانفعالاتك وتخفّض الضغط النفسي وتحسّن الحالة النفسية. وكلّ ما يحسّن من الحالة النفسية يرفع المناعة.
المبدأ الثالث وهو مرتبط بالمبدأ الاول والثاني: الثقة بالنفس. علينا الايمان بأنفسنا وبقدرتنا على المقاومة والاستمرار. يتوجب علينا هنا أن نكون رؤوفين رحومين مع أنفسنا وألّا نتسرّع في الحكم عليها. إن لم تكن رحوما مع نفسك لن يترأف بك أحد. ليس عيبا ولا هو من العار بمكان أن تشعر بالخوف أو أن تقلق أو ترتبك وتتوتر..لا تعاقب نفسك ولا تجلد نفسك لمجرد شعورك بالقلق ولا تحكم على نفسك أو على من حواليك بشكل قاس وسلبي. كن محبا رحيما متفهما وهوّن على نفسك وعلى الاخرين من حولك. إعترف بمشاعرك ومخاوفك وفكّر بالطريقة الامثل للتعامل معها.
المبدأ الرابع: المحافظة على التماسك والتضامن الاجتماعي. على كلّ مواطن الاعتناء بالعلاقات والروابط الاجتماعية والمحافظة عليها حتى ولو من خلال وسائط التواصل الاجتماعي. الحقيقة أنّ كورونا هو فيروس لا- اجتماعي وقد أجبر الناس على التباعد الاجتماعي وفرض العزلة لكن لمواجهته يجب ان نبقى اجتماعيين متفاعلين وإيجابيين ونحافظ على التواصل مع الاهل والاصدقاء حتى لو افتراضيا.
المبدأ الخامس: القدرة على التمييز وحسن الانتقاء. يجب البقاء على اطلاع على كل شيء يخصّ الوباء. علينا أن نحفظ التعليمات الوقائية الضرورية لحياتنا ونتصرّف على أساسها ولكن في نفس الوقت يجب عدم إغراق الذات بالمعلومات من كلّ حدب وصوب. يجب الحذر واتقاء شر جائحة المعلومات غير المفيدة والمضرّة كما يتم الحذر من جائحة الكورونا. طوّر القدرة على التمييز وحدّد مصادر معلوماتك واعتمد على مصادر موثوقة ذات مصداقية عالية. وحاول قدر الامكان عدم القفز من محطة إعلامية الى أخرى بحثا عن خبر من هنا وخبرية من هناك وحاول أيضا عدم الانقياد وراء الشائعات والاخبار الزائفة التي تزيد من الخوف وتؤثر على الصحة النفسية بشكل سلبي.
المبدأ السادس: التفكير الايجابي. المحافظة على معنويات عالية ونفسية إيجابية من خلال الفكاهة والضحك والتعبير عن المشاعر كالاشتياق والامتنان والشكران أمور في غاية الاهمية.
المبدأ السابع: التنظيم. نظّم وقتك وأكلك ونومك وأعمالك وهواياتك بشكل مدروس وضع برنامجا محددا واملأ أيامك بما لطالما أحببت أن تقوم به ولم تتسنَّ لك الفرصة حتى اليوم. حافظ على نظام معيّن يشغلك في كلّ ساعات النهار ولا تستسلم للكسل والخنوع.
وأخيرا، في عود على بدء، نؤمن أنّ أزمة الكورونا ستنتهي آجلا أم عاجلا ويبقى السؤال الاهم والمشروع: ماذا عما بعد الكورونا؟ هل سيتمكن الانسان من الانتصار على وباء الكورونا واستخلاص العبر وتحويل هذه الصدمة التي لم تكن بالحسبان الى تغيير إيجابي شامل تذكر المجتمعات الانسانية أنّ ما قبله غير ما بعده ؟ هل يتحوّل زمن الكورونا الى تاريخ مفصلي حميد بالرغم من مآسيه؟ وهل توقظ هذه الصدمة مجتمعات الكورونا من سباتها العميق؟
تحت سطوة الكورونا تمّت تعرية الكثير من الانظمة والمفاهيم العالمية وفضحها وتظهيرها كما هي على حقيقتها. بالفعل لقد خرّت وتلاشت الكثير من "الديمقراطيات" و"الليبراليات" والحكومات والانظمة وما تسوّقه من أساليب حياة وشعارات ورموز وحقوق تحت وقع ضربات الكورونا الموجعة. وكأنها بالونات خاوية. وكأنها شعارات فارغة غشاشة كما هي حال "الحلم الاميركي".
هو زمن الكورونا وما بعده.. زمن السقوط والسقطات لحكومات وأنظمة دول عرفناها سابقا كدول "عظمى". هو زمن الخيبات والصدمات الذي حتّم على كل إنسان مفكّر وعلى كل مجتمع حضاري التأمل والمراجعة واستخلاص العبر والعودة الى الذات٬ الى النفس-إجتماعي، الى المدرحي الجامع بين المادة والروح.
هو زمن الانسان-المجتمع، الانسان الحرّ ولكن المسؤول الذي يعرف بيئته ويعي مجتمعه وتركيبته وتفاعلاته وعلاقاته فيقدّر واجباته تجاهه ويسعى الى تأمين مصلحته، فمصلحة مجتمعه من مصلحته. هو زمن وعي المصلحة المشتركة بين الانسان ومجتمعه، فمصلحة الانسان الفرد من مصلحة المجتمع والعكس صحيح مصلحة المجتمع من مصلحة الانسان الفرد. هو زمن حاجات المجتمع المدرحية ومتطلباته الجوهرية الحقيقية فما عادت تنفع الاضاليل وتقنيات التلاعب وسياسات الشكل الهوليودية وأفعالها المصطنعة ذات المنافع الانانية الآنية.
عادة ما تتبدل ملامح الحياة وتنتهي الاوبئة بخلق معان وقيم وأفكار ومفاهيم وأنماط مختلفة للحياة الانسانية. ما الذي يمنع اليوم من بناء أو تبني رؤية جديدة للحياة والكون والفن مبتكرة تكون في خدمة الانسان-المجتمع تخرج المجتمعات وناسها من حالة اللاإنسانية والتفكك والتشرذم والفوضى السائدة والمنافسة الهدّامة؟ مجتمع الكورونا اليوم مطالب بتقديم فلسفة جديدة حيّة تحلّ مكان الفلسفات والنظرات المادية الجزئية السابقة القائمة بجوهرها على فكرة الفرد بشقّه الفرداني المصلحي المادي فقط. الحياة الانسانية الاجتماعية بأمسّ الحاجة اليوم قبل الغد الى فلسفة حضارية جديدة تؤسس لحياة أجود في عالم أجمل وبقيم أسمى من تلك الموجودة حاليا.
لقراءة الجزء الأول اضغط هنا